هل حان الوقت لنعي المبادرة الفرنسية؟!

الحريري يواجه عراقيل تأليف الحكومة بصمت... فهل سيتخذ قراراً بالاعتذار؟

هل حان الوقت لنعي المبادرة الفرنسية؟!

* علوش: الواضح أن شعار المرحلة بالنسبة لرئيس الجمهورية وصهره باسيل هو: إذا سقطنا سنأخذ البلد إلى السقوط معنا
* الربيع: هناك محاولة لإعادة تعويم باسيل، عبر توجيه رسالة بأنّه قوي داخلياً وما زال قادراً على التأثير في تشكيل الحكومة إما عبر تعطيلها أو فرض شروطه في التشكيل

بيروت: مضى شهر على تكليف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة ذات مهمة إنقاذية تحمل مهمّتين أساسيتين: وقف الانهيار، وإعادة إعمار بيروت، كما أعلن الرئيس الحريري الذي بدأ مهمته بجرعات كبيرة من التفاؤل كما وعد اللبنانيين بالإسراع في عملية التشكيل، ومحاولة إعادة لبنان على الخارطة الدولية والعربية علّه ينقذ ما تبقى من الوطن.
ولكن جرعات التفاؤل التي سيطرت بداية على أجواء التشكيل، انعكست في الأيام الماضية أجواءً سلبية معبّدة بعقد قديمة- جديدة اعتاد «سياسيو»لبنان على اعتمادها عند كلّ استحقاق وطني. في الظاهر وخلال قيام الحريري بالاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها مع الكتل النيابية أبدى الجميع استعداده للتعاون في عملية التشكيل ووعدوا بعدم العرقلة كما أعلن غالبيتهم أنّهم يوافقون على تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين كما يصرّ الرئيس الحريري.
ولكن ما يجري في كواليس التأليف يختلف عن التصريحات المعلنة، فالرئيس الحريري الذي تبنى المبادرة الفرنسية في مهمته، اصطدم بمطالب من الكتل النيابية الذين خلقوا العقد في التمثيل الطائفي والحزبي داخل الحكومة، وعادت المطالب بحقيبة من هنا وشروط من هناك، وما زاد الأمر تعقيدا هو فرض الإدارة الأميركية عقوبات على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية والرجل الأقرب إليه، الأمر الذي صعّب مهمة الحريري.

 

رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري.


 
السلبية تسيطر على عملية التشكيل
إذن الأجواء السلبية التي تصدر من مصادر رئيس الجمهورية ومصادر الأحزاب المعنية بالتشكيل تؤكّد أنّ مهمة الرئيس الحريري باتت اليوم أكثر تعقيدا، وطريق الوصول إلى السراي الحكومي معبّدة بالتعقيدات والشروط، وبالتالي مهمة الحدّ من وقف الانهيار الذي يشتدّ يوما بعد يوم. فأبرز العقد التي خرجت إلى العلن كانت حول تسمية أسماء الوزراء المسيحيين، فرئيس الجمهورية وباسيل يصرّان على «وحدة المعايير» يعني أنّ ما يسري على الكتل الثانية يسري عليهم، أي كما يسمّي حز ب الله وأمل الوزراء الشيعة، وكما يسمّي وليد جنبلاط الوزير الدرزي، وكما يسمّي الحريري الوزراء السنّة، نحن يجب أن نسمّي الوزراء المسيحيين، في المقابل يصرّ الرئيس الحريري على المشاركة في تسمية الوزراء المسيحيين التزاما بالمادة 64 من الدستور، والتي تؤكد أنّ الرئيس المكلف يؤلف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. كما يصرّ الحريري أنّ يحدّد نوعية الحكومة والمستلزمات التي يجب أن تتأمّن فيها، لكي تتمكّن من النجاح بحسب المبادرة الفرنسية، آخذاً في الاعتبار التجارب السابقة في تأليف الحكومات، والتي أنتجت تشكيلات وزارية لم تتمكّن من الإنجاز، وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه. فالحريري يعمل على تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين ومستقلين، بحسب المبادرة الفرنسية التي أعاد مستشار الرئيس الفرنسي تأكيد مواصفاتها في لقاءاته مع الأفرقاء السياسيين اللبنانيين خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي. فالمبعوث الفرنسي باتريك دوريل غادر بيروت تاركاً جميع الأطراف أمام مسؤولياتهم. وأعطاهم مهلة زمنية لا تزيد على أسبوعين للاتفاق على تأليف الحكومة، مهدّداً بأنه في حال عدم تأليفها وبقاء الوضع على ما هو عليه، فإن المؤتمرات المخصصة للدعم الاقتصادي، والمشروطة بوجود حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والالتزامات المطلوبة، ستُلغى.

 

النائب السابق مصطفى علوش


 
لا قرار بالاعتذار 
ومع هذه الضبابية التي تسيطر على طريق بعبدا- بيت الوسط، هل سيتخذ الحريري الصامت الأكبر منذ التكليف قرارا بالاعتذار كما تردّد في الأيام السابقة؟ 
القيادي في تيار المستقبل والنائب السابق مصطفى علوش أكّد لـ«المجلة» أنّه «لا قرار بالاعتذار عن التشكيل حتى الساعة»، وأضاف: «يبدو أن الأمور ليست مفتوحة أمام تسهيل تشكيل الحكومة، ولكن الرئيس الحريري لم يتخذ قراره بعد، ومن المفترض أن يعلن عن قراره إذا استمرت العرقلة قريبا عبر إعلانه صراحة أمام اللبنانيين أسباب التعطيل ومن عطّل تشكيل الحكومة، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
ولكن حتى الساعة الرئيس الحريري متمسك بطرحه وبشروط تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين، ولكن يبدو أن رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل يصران على مواجهة العقوبات الأميركية عبر تعطيل تشكيل الحكومة، ولكن السؤال هنا إذا عطلوا تشكيل الحكومة هل ستسحب أميركا عقوباتها؟!».
وأضاف علوش: «الواضح أن شعار المرحلة بالنسبة لرئيس الجمهورية وصهره باسيل هو إذا سقطنا سنأخذ البلد إلى السقوط معنا، خصوصا أنهم باتوا يعلمون أنّ عهدهم ساقط وفاشل فمن غير المهم بالنسبة لهم سقوط وانهيار لبنان».
أمّا بالنسبة لفريق حزب الله الصامت خلال عملية التجاذبات والتعطيل التي يقودها باسيل، يقول علوش:  «يبدو أنّ الحزب ينتظر الإدارة الأميركية الجديدة وكيف ستتعامل مع ملفات المنطقة، لذلك لا يهم حزب الله الاستعجال في تأليف الحكومة».

 

ماكرون في قصر الصنوبر في بيروت خلال اجتماعه مع رؤساء الاحزاب اللبنانية

 
سقوط المبادرة الفرنسية!
يبدو أنّ العهد الحالي اعتاد إهدار الفرص، فالمحاصصة وتصفية الحسابات السياسية وإثبات الوجود على الساحة المحلية والدولية أهم بالنسبة للقيمين على العهد من وقف الانهيار وإنقاذ الشعب اللبناني الذي تعلو صرخته يوما بعد يوم خصوصا بعد توالي النكبات والأزمات السياسية والاقتصادية والكارثية كانفجار بيروت، فبدلاً من أن يُصار إلى تأليف حكومة قادرة على الإصلاح وإعادة الأعمال ووضع البلد على سكة الإنقاذ، طالما هناك فرصة وحيدة وأخيرة هي المبادرة الفرنسية، هناك من يصرّ على تسمية وزرائه وتقسيم الحصص والمغانم على الأحزاب التي باتت نقمة على الشعب اللبناني.
وأمام هذا الواقع هل سقطت المبادرة الفرنسية؟ 

 

منير الربيع


المحلل السياسي منير الربيع رأى في حديث لـ«المجلة» أن المبادرة الفرنسية سقطت بالفعل، ولكن فقط سقطت في مهمة تشكيل الحكومة. وأضاف: «لكن فرنسا لن تتخلى عن لبنان وعن دعمها للبنان، ولن تعلن أصلا فشل مبادرتها في تشكيل الحكومة، خصوصا أنّ مبادرة ماكرون ترتبط بوجود فرنسا وطموحاتها في المنطقة، وبما أن هدف فرنسا أن تحصل مستقبلا على نفوذ في سوريا، لا بدّ أن يكون لفرنسا وجود مؤثر في لبنان وعلى حوض البحر المتوسط، كذلك الشركات الفرنسية هي إحدى أكبر الشركات المستثمرة في قطاع النفط والغاز اللبناني، وبالتالي فإن فرنسا لن تخرج من لبنان نظرا لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والتاريخية، وستستمر في إطلاق المواقف الداعمة للبنان».
أمّا بالنسبة لتشكيل الحكومة، فرأى الربيع أنّ مهمة الرئيس الحريري تصطدم بنقطتين أساسيتين: «الأولى موقف الرئيس عون وباسيل ومحاولة إعادة تعويم الأخير، عبر توجيه رسالة بأنّه قوي داخليا وما زال قادرا على التأثير في تشكيل الحكومة إما عبر تعطيلها أو فرض شروطه في التشكيل... أما النقطة الثانية، فهي الشرط الأميركي على الرئيس الحريري وهو تشكيل حكومة خالية من وزراء يمثلون حزب الله لا بطريقة مباشرة ولا غير مباشرة».
وختم الربيع: «الخيار الوحيد أمام الرئيس الحريري هو أن يحمل تشكيلة حكومية من 18 وزيرا إلى الرئيس عون وإذا رفضها، عندها يتحمل مسؤولية التعطيل أمام اللبنانيين والعالم بأنّه هو من عطّل تشكيل الحكومة وبالتالي وقف الانهيار».
يبدو أن النفق الأسود الذي دخل فيه لبنان لن يخرج منه قريباً، طالما أنّ العهد الذي يحكمه مع أحزاب يعملون ليل نهار على تسيير مصالحهم وتكريس فسادهم ومحاصصتهم، غير آبهين للشعب اللبناني الذي بات يقبع أكثر من نصفه في فقر تصل نسبته إلى 55 في المائة في 2020 بحسب تقديرات لجنة «الاسكوا»، فالمهم بالنسبة لهم أن يتمثلوا في الحكومة وأن لا يفرطوا «بحقوق طوائفهم»، أمّا حقوق الشعب اللبناني وأحلامه بالعيش فقط بكرامة وبأدنى مقومات الحياة فهي ليست بحسبان هؤلاء!
 
 
 
 
 
 
 

font change