تفشي ظاهرة «بائعات الهوى» في إيران

الفقر ليس السبب الوحيد الذي دفع النساء لممارسة «الدعارة»

تفشي ظاهرة «بائعات الهوى» في إيران

 

تلقى ظاهرة بيع الجسد والجنس خارج إطار الزواج رواجا في إيران في عهد الجمهورية الإسلامية كما غيرها من دول أخرى في العالم، ولكن الفارق هو أن المسؤولين الإيرانيين ينكرون وجود بائعات الجنس ولا يبالون بتاتا بهذه الفئة من المجتمع، حيث لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن عدد النساء اللواتي اتجهن إلى مجال الدعارة في البلاد.

تشير الإحصاءات الصادرة من منظمات غير حكومية إلى انخفاض سن ممارسة الدعارة خلال الأعوام الأخيرة في إيران من 20- 30 عاما إلى ما يتراوح بين 13- 18 عاما في 2011 وانخفض إلى 12 عاما في العام 2016.

وقالت فرحناز سليمي مديرة مؤسسة آفتاب (الشمس) غير الحكومية التي تنشط في مجال مكافحة الإدمان وسبل علاج المدمنين وتأهيلهم، في تصريحات لها عام 2016: «لقد انخفض سن ممارسة الدعارة في إيران إلى 12 عاما وبلغ عدد النساء في هذا المجال في محافظة طهران 10 آلاف امرأة، حيث إن 35 في المائة منهن متزوجات».

وبعد 3 سنوات من تصريحات سليمي أعلن الباحث الاجتماعي أمير محمود حريرجي أن «20 ألف امرأة يعملن في الدعارة».

 

بائعات الجنس في ظل أزمة اقتصادية طاحنة

أخذت نسبة النساء اللواتي أصبحن أكثر فقرا واضطررن إلى ممارسة الدعارة بالتزايد خلال السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة والممارسات التمييزية بين الجنسين وغياب فرص عمل مناسبة في إيران.

أجرت «المجلة» حوارا خاصا مع «م- ي» وهي مساعدة اجتماعية تقيم في طهران لم ترغب في الكشف عن اسمها الكامل والتي تقدم خدمات استشارية ومساعدة لعدد من عاملات الجنس.

وقالت «م- ي»: «أظهرت الدراسات التي أجريتها أنا وزملائي في عدد من المنظمات غير الحكومية أن الجماع الشرجي وأيضا ممارسة الجنس بين امرأة وأكثر من رجل واحد في وقت واحد يلقيان رواجا كبيرا في إيران في الوقت الحالي وتتلقى عاملات الجنس أجورا أكبر إزاء هذا النوع من الخدمات. أتحدث مع العديد من هذه النساء بطبيعة عملي وقالت واحدة منهن ذات مرة بأنها قامت بممارسة الجنس مع أكثر من رجل واحد في ليلة واحدة ولكنهم اعتدوا عليها بالضرب بعد الجماع ولم يسددوا لها أجرها وأنها لم تستطع أن تقدم شكوى ضدهم باعتبارها تقوم بعمل غير قانوني».

وأشارت المساعدة الاجتماعية في حديثها لـ«المجلة» إلى ارتفاع عدد المتزوجات العاملات في بيع الجنس، قائلة: «يلجأ عدد كبير من المتزوجات إلى بيع الجسد بسبب الفقر والظروف المعيشية الصعبة. لقد تحدثت خلال عملي مع متزوجات قلن لي إنهن يمارسن الدعارة بموافقة أزواجهن. وقالت لي إحداهن ذات مرة إن زوجها يعلم بذلك ولكنه لا يقول شيئا، لأننا نواجه مشاكل اقتصادية وظروفا معيشية متدهورة ولا نستطيع تأمين تكاليف المعيشة».

وتابعت «م- ي»: «لا تقتصر ممارسة الدعارة على نساء من الطبقات الفقيرة بل إن هناك نساء تسعى للحصول على المزيد من الأموال من خلال هذا العمل. أعرف ممرضتين اثنتين تعملان في المستشفى وتتلقيان راتبا لا بأس به ولكنهما تمارسان الدعارة للحصول على موارد مالية أكبر وليس من أجل الفقر والحاجة. سألت إحداهما ذات مرة لماذا تقومين بممارسة الدعارة؟ لماذا تنهكين جسدك وتخاطرين بالإصابة بأمراض خطيرة؟ ردت علي قائلة: أنتِ يا سيدتي الدكتورة لقد أصبحت دكتورة ولكن كم هو راتبك؟ لقد عملت كعاملة جنس لمدة 8 أشهر وتمكنت من شراء سيارة الدفع الرباعي».

وتابعت المساعدة الاجتماعية: «لا توجد إحصائيات حول عدد العاملات في بيع الجنس في إيران ولكنك إذا خرجت ذات ليلة وتجولت في شوارع طهران في ساعة متأخرة في مناطق على غرار طريق ستاري السريع، أو ساحة كاج، أو شوارع شمالي طهران، سترين بوضوح بائعات الجنس اللواتي يبحثن عن زبائن. وقد شاهدت الكثير منهن وهن يقمن بمناقشة السعر مع الزبائن على متن السيارة».

 

 

زواج المتعة بديل الدعارة

لقد قام رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم الخميني، بعد قيام الثورة عام 1979 بإعدام عدد من بائعات الجنس وإغلاق بيوت الدعارة وحلوا محلها ما يسمى زواج المتعة (عقد الزواج المؤقت) زاعمين أنه سنة الرسول، غير أن ما فعله رجال الدين الشيعة في إيران هو إعطاء صبغة شرعية ورسمية للدعارة، حيث يتم تقديم الخدمات الجنسية بصورة زواج المتعة (العقد المؤقت) منذ عقود في المدن الدينية على غرار مشهد وقم، وهذا أمر أكد عليه مسعود فريدي المدير العام لإدارة الفئات الأكثر هشاشة في منظمة الرعاية الاجتماعية الحكومية في يونيو (حزيران) 2012 قائلا: «تستضيف مدينتا مشهد وطهران العدد الأكبر من عاملات الجنس في البلاد».

وانتشرت مقاطع فيديو وتقارير عديدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 حول الانتشار الواسع للسياحة الجنسية للزوار العراقيين في مدينة مشهد، وهذا ما دفع مسؤولي وزارة الداخلية الإيرانية إلى نفي التقارير الواردة مطالبين بتعامل قضائي صارم مع ناشري التقارير والفيديوهات.

وتحول جزء من الخدمات الجنسية «الشرعية» في إيران إلى الفضاء الافتراضي ويتم بشكل أونلاين.

وقالت «م- ي» «يقوم العديد من المواقع الإلكترونية بخدمات عقد زواج المتعة ويقرأ خلاله عادة رجل دين ما يسمى بـ(صيغة المحرمية). ويتسلم رجل الدين جزءا من المال كأجر له، لإتمام عقد الزواج المؤقت. ويتمتع رجال الدين بالحرية الكاملة لإتمام عقود زواج المتعة لأنها حسب زعمهم (إسلامية) و(مطابقة للشريعة) غير أن ما يقومون به هو (سمسرة). نجد العديد من البيوت الخاصة بـ(زواج المتعة) في حي (نواب) وأحياء أخرى بطهران حاليا. يقدم الزبائن مبلغا ماليا لرجل دين إزاء الخدمات الجنسية وبعدها يقدم رجل الدين جزءا بسيطا من ذلك المبلغ لعاملة الجنس».

عقد زواج متعة

تفشي الأمراض الجنسية

لقد وجه انتشار فيروس كورونا وإجراءات الحجر الصحي ضربة قاسية إلى اقتصاد الدول ولم تكن تجارة الجنس والدعارة مستثناة من هذه القاعدة. في الوقت الذي تعتبر فيه الدعارة ممارسة قانونية في عدد من دول العالم على غرار هولندا واليابان وتقدم لعاملات الجنس حزم التحفيز الاقتصادي والدعم في فترة كورونا فإن عاملات الجنس في إيران مضطرات إلى ممارسة الدعارة في هذه الظروف لتأمين معيشتهن وعائلاتهن وذلك بسبب ارتفاع معدل التضخم والبطالة والظروف الاقتصادية المتدهورة. وهذا بغض النظر عن أن عاملات الجنس تعتبر ضمن المجموعات الأكثر عرضة للخطر حتى قبل انتشار كورونا.

وأضافت «م- ي»: «كنت أعمل في مؤسسة غير حكومية تقدم خدمات استشارية لعاملات الجنس. بدأت العمل في هذا المجال عبر التعاون مع منظمي برنامج لدعم مرضى الإيدز التابع لمرکز دراسات الإيدز في إيران في 2015. كان الهدف من البرنامج هو القيام بفحوصات التهاب الكبد والإيدز لنساء الشوارع وساكنات الكراتين. لقد توقف البرنامج بعد 3 سنوات منذ إطلاقه بذريعة الترويج للممارسات غير الأخلاقية».

وتابعت: «كنا ننفذ البرنامج عن طريق تسيير باصات تقف يوما واحدا أو يومين أسبوعيا في أحد الأحياء الفقيرة والمحرومة في طهران على غرار مناطق مولوي وشوش ودروازه غار وتكمل مشوارها في أحياء أخرى. كانت الباصات تحمل عددا من الخبراء والمستشارين الاجتماعيين وكان يتم تحديد عاملات الجنس في كل حي من الأحياء وتجري محاولات ونقاشات لإقناعهن بإجراء فحص الإيدز والالتهاب الكبدي وعنق الرحم. وكانت تبدأ هذه الباصات نشاطها منذ فترة بعد الظهر حتى فجر اليوم التالي. وكانت نتيجة الفحوصات لعدد كبير منهن إيجابية فحينه كنا نشجعهن على زيارة العيادات الطبية المتخصصة ونتحدث معهن حول سبل الوقاية من انتقال العدوى ونقدم لهن الواقي الذكري بشكل مجاني، غير أن عدد اللواتي كن يقبلن بذلك قليل جدا وكن يتحججن بأن الزبائن لا يحبذون ممارسة الجنس عبر استخدام الواقي الذكري».

وقالت «م- د» طبيبة تعمل في عيادة للاضطرابات السلوكية في جنوب طهران لم ترغب في نشر اسمها في حديث لـ«المجلة»: «الهربس التناسلي والثآليل التناسلية من أكثر الأنواع شيوعا للأمراض المنقولة جنسيا ومنتشران بكثرة في إيران».

وأضافت: «بات فيروس الهربس التناسلي وفيروس الثآليل التناسلية الأكثر شيوعا من الإيدز في إيران لدى كافة الفئات العمرية خاصة فتيات الثانوية، إذ إن فيروس الورم الحليمي البشري المسببة للثآليل يبقى في الجسم وينتقل بصورة أساسية عبر تلامس الجلد وممارسات جنسية عالية المخاطر وتعدد الشركاء الجنسيين».

وحذرت الدكتورة بروين أفسر كازروني، رئيسة منظمة السيدا والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا التابعة لوزارة الصحة الإيرانية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 خلال تصريحات بشأن الدراسات التي أجرتها وزارة الصحة حول النساء «الأكثر هشاشة» من الارتفاع المتزايد لحالات الإصابة بفيروس «إتش بي في» (فيروس الورم الحليمي البشري) في إيران قائلة: «تشير الشواهد ونتائج التحقيقات والتقارير الواردة من المصادر الطبية للأمراض الجنسية إلى تزايد حالات الإصابة بأمراض السيلان والهربس التناسلي والثآليل التناسلية».

وسبق تصريحات كازروني تحذير آخر جاء على لسان رئيس الجمعية العلمية للمساعدين الاجتماعيين مصطفى إقليما في 2013 بشأن الانتشار الكبير لمرض الثآليل التناسلية في إيران قائلا: «بلغ عدد الإصابات حتى اللحظة نحو مليون شخص ولا يوجد علاج ناجع للفيروس».

وأضافت «م- د»: «انخفض سن ممارسة السلوكيات الجنسية الخطرة بسبب انتشار البلوغ المبكر وباتت السلوكيات الجنسية الخطرة تلقى رواجا كبيرا لدى المراهقين الذين أخذوا يلجأون إلى ممارسة الجنس. كما أن مناقشة القضايا والثقافة الجنسية من المحرمات في المدارس والإعلام ولا تتم التوعية الجنسية».

وتابعت: «عندما زرت أنا وعدد من زملائي إحدى المدارس الثانوية للبنات في غرب طهران العام الماضي فإن العديد من التلميذات كن يستفسرن عن الثآليل التناسلية. لا تعلم التلميذات للأسف بأن الممارسة الخلفية تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالسيدا وبالتالي يمارس العديد من التلميذات في الثانوية الجماع بالطرق الخلفية للحفاظ على غشاء البكارة والذي قد يزيد احتمال إصابتهن بالإيدز».

وقالت: «تعتبر العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج أكثر الأسباب شيوعا للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب في إيران. كما أن العديد والعديد من المتزوجين يمارسون الجنس مع عاملات جنس مصابات بالسيدا في بيوت الدعارة وبالتالي فهم يصابون بالمرض. وعندها يمارس هؤلاء العلاقة الجنسية مع زوجاتهم وهم لا يعلمون بأمر إصابتهم وينقلون العدوى لهن».

وأشار الدكتور مسعود مرداني أمين مؤتمر الإيدز في إيران خلال تصريحات لوكالة الأنباء الطلابية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 إلى أن حالات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب تجاوزت 66 ألف شخص في إيران، مضيفا: «لا يعلم أكثر من ثلث المصابين بأمر مرضهم وإذا علموا بذلك فإنهم يخفون حقيقة إصابتهم».

ويقول المسؤولون الإيرانيون إن البلاد تمر حاليا بالموجة الثالثة لتفشي فيروس نقص المناعة المكتسب عن طريق الممارسات الجنسية وإن نساء الشوارع وعاملات الجنس لهن الحصة الأكبر من انتشار الفيروس.

وأشارت رئيسة مركز بحوث الإيدز في إيران، مينو محرز، في يونيو 2018 إلى دراسة حول عاملات الجنس في أحد أحياء العاصمة طهران قائلة إن 31 في المائة من عاملات الجنس في هذا الحي مصابات بفيروس الورم الحليمي البشري.

وتقول المساعدة الاجتماعية «م- ي»: «نقوم نحن كمؤسسات غير حكومية بالبحث عن نساء الشوارع والمشردات والقاطنات في الكراتين وإذا حدثت حالات حمل لهن نقوم بنقلهن إلى المستشفيات. تضع العديد منهن مولودهن على جانب الطريق أو إذا تم نقلهن إلى المستشفى فإنهن يقمن بالهروب من المستشفى بعد الولادة بسبب الخوف من الاعتقال باتهام وضع مولود هوية أبيه غير معروفة، وتتخلى الأم عن طفلها وهو بالمستشفى. وهناك احتمال كبير بأن تكون هذه المواليد الجدد من المصابين بفيروس إتش آي في».

وتابعت: «لقد واجهت مرات عديدة مشهد قيام الأمهات برفقة بناتهن المراهقات بالدعارة ونرى أن الحلقة المفرغة لحياة عاملات الجنس يتسع نطاقها في البلاد».

يدعم أغلب دول العالم حقوق عاملات الجنس في إطار تنظيمي ومؤسسي غير أن النظام الإيراني لا يبالي بهذه الفئة الهشة والضعيفة في المجتمع بل إنه يواجه التحذيرات والإحصاءات الصادرة من المنظمات غير الحكومية بشأن تزايد النساء في الدعارة والانتشار الواسع للممارسات الجنسية الخطرة بموجة النفي والإنكار معتبرا أنها لا تستند إلى الواقع.

 

 

font change